شهادة الدكتور مصطفى الرافعي

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

وقال المؤرخ الدكتور مصطفى الرافعي في كتابه "إسلامنا في التوفيق بين الشيعة والسنة":

لم يخرج العلويون عن كونهم فرعاً من فروع الشيعة، تعتمد الشريعة الإسلامية ، وتطبق أحكامها وفقاً لمذهب الإمام جعفر الصادق سادس أئمة أهل بيت رسول الله (ص) ولقد بات معلوماً أنّ جميع فرق الشيعة تعرّضت للتعذيب والتنكيل والذبح والقتل ، ابتداءً من العصر الأموي، مروراً بالعباسي ، انتهاء بالعثماني ، بسبب معارضتهم لمذاهب أهل السنة التي كان يَدين لها ، على مرّ تلك العصور ، السلاطين والحُكّام ، وكانت هذه الجماعة المُسمّاة بالعلويين من أكثر الفرق التي تعرّضت للإضطهاد والإتهام ، حتى من بعض فرق الشيعة الأخرى التي تأثرت بما نسجه المؤرّخون حولهم وما نسبوه إليهم ، من ارتكاب الموبقات وإباحة المُحَرّمات حتى وصفوهم بالزندقة والكفر، ولم يتسنّ لجماعة العلويين - وعددهم في العالم قليل - أن تهدأ الضَجّة حولهم ، وأن يتنفسوا الصُعَداء إلا فترةً وجيزةً من العصر العباسي ، حيث قُدّر لشيخهم أبي عبد الله الحسين بن حمدان ، أن يَنهض بالدّعوة العَلوية بعد أن اتّخذ إقامته في مدينة حلب الشهباء ، وذلك بمؤازرة أُمراء بني بويه ، وانتشرت الدعوة العلوية إذا ذاك في العراق والأهواز وبلاد فارس ، وكذلك في مصر أيام الفاطميين.

أصلهم

من المؤرخين من قال : إنّ العلوية فرقة (سريانية) كانت موجودة على أيام الرومان .

ومنهم من قال : إنّ أصلهم من القرامطة ( نسبة إلى حمدان قرمط) نسبوا إليهم تبعاً لذلك ما يُنسب إلى القرامطة من زعمٍ أن لا جنة ولا نار ولا بعث ولا نشور ولا ميزان ولا حساب ولا نعيم ولا عذاب وإنّما الثواب والعقاب هما في الحياة الدنيا لا غير .

ومنهم من قال : إنّ تسمية العلويين بالنصيرية لكونهم سكنوا جبال النصيرية في سوريا بعدما لجأوا إليها فراراً من التشريد و التنكيل على عهد لسلطان سليم العثماني .

ومنهم من نسب العلويين إلى النصيرية تمشياً مع المنطقة التي سُميَت بجبال النصيرية أثر قدوم نجدة بعثها عمر بن الخطاب لأبي عبيدة عامر بن الجراح الذي فتح هذه المنطقة على أيام الخليفة الثاني للمسلمين . وهذه النجدة كان في عدادها نخبة من أنصار الإمام علي (عليه السلام) وممّن شهدوا بيعة (غدير خم) وعددهم يربو على أربعمائة وخمسين مجاهداً ، فالتحقت هذه النخبة بجيش أبي عبيدة ونصر الله على أيديهم جيش أبي عبيدة نصراً جزئياً فأطلق عليهم لفظ (نصيرة) ثم أصبحت المنطقة التي امتلكها جماعة النصيرة استناداً إلى قواعد الجهاد في الإسلام التي تقضي بتمليك ما تبقى عن الخمس إلى المحاربين المسلمين أنفسهم ، يمتلكونها فيما بينهم للفارس سهمان وللراجل سهم. وكان هذا قبل أن يفتح المسلمون سواد العراق والذي امتنع - من حينه - عمر بن الخطاب عن تمليك الأراضي لمن يفتحها ، خلافاً لظاهر النص القرآني واعتماداً على أسباب لا نرى موجباً لبسطها وإن كان قد انعقد اجماع المسلمين في حينه على تأييد عمر بن الخطاب وموافقته على اجتهاده . بيد أن الجبال التي سبق لجماعة ( النصيرة) أن امتلكتها بعد فتحها سُميت فيما بعد بـ (جبال النُصَيْريّة) ثم غدا هذا الإسم عَلماً خاصاً لدولة جبال العلويين الممتدة من سلسلة جبال لبنان إلى أنطاكية .

ومن المؤرخين من يعزو تسمية العلويين بالنصيريين ، نسبة إلى محمد بن نصير النميري الذي وجد في القرن الثالث الهجري على أيام الإمام الحادي عشر الحسن العسكري حيث زعموا إنّ محمد بن نصير النميري هو مؤسس المذهب الشيعي العلوي على حين أنّ العلويين يعتبرون علي بن أبي طالب هو مؤسس مذهبهم وليس ابن نصير سوى باب للإمام الحسن العسكري .

ومن المؤرخين من زعموا أنهم فرع من فروع (الإسماعيلية). والإسماعيلية كما هو معلوم- فرقة من الإمامية تقف في تسلسل أئمتها عند اسماعيل بن جعفر الصادق الذي توفي في حياة أبيه ولذا سمّوا بالشيعة السبعية أيضاً كما ذكرنا آنفاً.
ولما كانت فرقة الإسماعيلية ( أو السبعية) تعتقد أن لكل نص ديني معنيين معنى ظاهراً وهو للعامة ، ومعنى باطناً لا يفهمه إلا الأئمة ، فقد نسب إلى العلويين القول بأنها من الفرق الباطنية من قبيل الخلط بينهم وبين الإسماعيلية .

وغير خافٍ أن العلويين لعبوا في السياسة دوراً بارزاً في أواخر العصر العباسي وكانت لهم في التاريخ أكثر من دولة، منها :

دولة الفاطميين العلويين في مصر و المغرب

  • ودولة العلويين في العراق
  • ودولة بني الأحمر في الأندلس
  • ودولة بني العريض العلوية الغسانية في الشام وطبرية وطرابلس
  • ودولة التنوخيين العلوية في اللاذقية
  • والدولة الحمدانية في الموصل التي حكمها سيف الدولة والمشهود له بالشجاعة والجرأة والدفاع عن الحق والولوع بالعلم والأدب والشعر، وقد امتدحه المتنبي في أكثر من قصيدة .

ويوجد من المؤرخين أخيراً من يقول : إنّ العلويين أصلهم من (الحثيين) ليثبت أنهم ليسوا عرباً وبالتالي يسهل بترهم عن جسمهم العربي مثلما حاول غيرهم من المغرضين تجريدهم من دينهم الإسلامي .

وجميع هذه الأراجيف التي زعمها المؤرخون بالنسبة لأصل العلويين لا تستند إلى دليل وليس إلا من قبيل الظن "وإن الظن لا يُغني من الحق شيئاً" .

حقيقتهم

وفي الحقيقة إنّ العلويين ليسوا سوى أنصار الإمام علي (ع) وتسميتهم بالنصيريين لفترة طويلة امتدت إلى عام 1920م ، ليست إلا من قبيل تحقيرهم من قبل أعداءهم لأغراض سياسية ، وهم عرب أقحاح معروفون بأنسابهم -ومشهورون لا كما يزعمه المغرضون- وهم مسلمون موحدون يؤمنون بالله رباً وبمحمد نبياً وبالقرآن منهجاً ودستوراً ، ويُقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجّون بيت الله الحرام إذا استطاعوا إليه سبيلا .
وهم منذ ظهور المذاهب الفقهية المعروفة يتعبدون على مذهب الإمام جعفر الصادق .

وإن لفظ : علوي أو شيعي أو إمامي أو جعفري ، يعني أمراً واحداً هو أنهم أحبوا علياً - كرم الله وجهه - وعَظّموه لمزايا لا يُنكرها أحدٌ من المسلمين من كونه صهراً للرسول وابن عمه وخليفته ومن أوّل الناس إسلاما وأقواهم إيماناً وأرسخهم عقيدة . إضافة إلى كونه أعلمهم وأزهدهم وأقضاهم وأشجعهم حتى سُميَ سيف الله ، وإنّ هؤلاء العلويين لم يعبدوا علياً كما يتوهم الجاهلون بحقيقتهم اعتماداً على مجرد تسميتهم (بالعلويين)، إذ لو كانت مُجرّد التسمية المنسوبة إلى إنسان تستلزم عبادته للزم القول بأن العثمانيين يعبدون عثماناً والمالكيين يعبدون مالكاً ، والشافعيين يعبدون الشافعي وهكذا إلى أن نصل إلى أيامنا هذه حيث يلزم القول بأنّ الماركسيين يعبدون "ماركس" والديغوليين يعبدون "ديغول" والناصريين يعبدون "عبد الناصر" وهذا غير حاصل البتة .

عبادتهم

أما عبادات العلويين فليس شك في أنهم يؤمنون بأركان الإسلام الخمسة التي ذكرناها آنفاً ويمارسونها . ولقد شاهدت ذلك بعينيّ رأسي عندما كنت أقوم بزيارة بعضهم في المدن والقرى . ولكنني لا أنكر أنهم لم تكن عندهم مساجد كافية لإقامة الصلوات صلوات الجمعة والجماعة فيها، وإنّ روح التديّن عند الكثيرين منهم - لا سيما سكان القرى - كان ضعيفاً وأنّ الجهل المتفشي في صفوفهم من جهة ، والدَّسَ الخارجي المقصود من جهة ثانية ، وفوقهما الفقر المُدقِع الذي كانوا يعيشون فيه ، هذه الأمراض الوبيلة الثلاثة التي كانت تنتابهم وتفت في عضدهم وتُلقي بهم اليأس والقنوط ، هي التي ألجأتهم إلى ضعف ممارستهم الدينية بالنسبة لغيرهم من الفِرق الإسلامية التي كانت بالنسبة إليهم تنعم بغزارة العلم وتمتاز بوفرة دور العبادة وتتمتع برخاء العيش ، ولقد صدق من قال : (كاد الفقر أن يكون كفراً).

والعلويون - على الجملة - لا يختلفون في عبادتهم عن الشيعة الإمامية اللهم إذا ما استثنينا فريقاً منهم يتبع طريقة صوفية تدعى (الجنبلانية) وهذه الطريقة ليست مذهباً ، وإنما هي طريقة للتصوف على غرار الطرق الصوفية المعتبرة عند أهل السنة كالشاذلية والنقشبندية والرفاعية والجيلانية وسواها .

وهنا أقول ( والكلام للمؤلف الشيخ حسين المظلوم) -من باب التوضيح وجلاء الحقيقة- إنه ليس للعلويين طريقة جنبلانية كما يظن البعض بل جميعهم على مذهب أهل البيت (ع) وليس لهم غيره مشرب أما السيد الجنبلاني – رحمه الله – فليس بصاحب طريقة كما يظن البعض بل هو من الأعلام العلويين البارزين وكان يتمذهب بمذهب أهل العصمة (ع) ويأخذ عنهم ويرويه لمقلديه وكان من أشهر تلاميذه في الأصول والفقه والحديث واللغة السيد أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي قد عاصر ثلاثة من الأئمة المعصومين وشاهدهم وأخذ عنهم إلا أنّ التاريخ أغفل ذكره عمداً لأسباب لا تخفى على كل ذي فِطنة وإنّ العلويين يُعظمونه ويَحترمونه كما يحترم إخواننا الشيعة الإمامية ( الكليني أو الصدوق).

ثم تابع الدكتور الرافعي قوله :

معتقداتهم

إذا أخذنا بعين الإعتبار أنّ العلوية ظهرت في أيام الفتن الدينية والخلافات المذهبية والإنقسامات السياسية . وإنّ أكثر المصادر التي اعتمد عليها المؤرخون هي من وضع خصوم هذا المذهب فضلاً عن المستشرقين فيما بعد الذين كانوا يُعبّرون عن مشاعر الإستعمار ولا سيما في أثناء مرحلة الإنتداب على هذه الديار ، والخطط التي انتهجوها لسلخ هذه الجماعة المسلمة عن محيطها الإسلامي كان لا بد وأن تُحاك حول العلويين القصص ، وتُلصق بهم التهم ، وتلفق في حقهم الأباطيل قصداً إلى تشويه معتقداتهم بادعائهم عليهم : القول بقدم العالم وإنكار البعث والنشور والجنة والنار وتناسخ الأرواح واستحلال الخمرة وتقديسها بل وتأليهها مما لا يصدقه العقل السليم .

وتوصل بعض العلماء والمؤرخين إلى تكفيرهم من أمثال الغزالي وابن تيمية والشهرستاني وابن الأثير وغيرهم ، وعلماً إنّ في اتهامهم هذه كثيراً من المبالغة ومجافاة الحقيقة ...

إلى قوله :
ومهما يكن من شأن تلك المقولات التي تُقال بشأن العلويين ، والشبهات التي تَحُومُ حولَ مُعتقداتهم ، والتي يَتضِح من أقوال كبار أُدبائهم وأفاضل علمائهم ، تعليلُ بعضها الذي لا يتعارض مع جوهر الإسلام ، ونفي البعض الآخر نفياً قاطعاً لمجافاته لشريعة القرآن ، ثم في الإمعان في تقصي أخبارهم ومعاشرتهم في محالهم ومنازلهم يتأكد كل منصف أنّ معظم ما رُميت به هذه الجماعة المُسلمة من حلول وزندقة وغير ذلك هو كذب وبهتان ولا يُفضي بالتالي إلى الحُكم عليهم بفساد عقيدتهم وخروجهم من ربقة الإسلام ، وإنّ الظروف المأساوية التي عاشتها هذه الجماعة في أيام مؤسسها الأول علي - كرم الله وجهه - وتجني الناس - جميع الناس - عليهم ، وظلم ذوي القربى لهم ، حتى جاء الإستعمار البغيض فأسرف في ظلمهم وزاد في تحطيمهم إمعاناً لا لشيء إلا لإظهارهم بمظهر المبتدعين عن محيطهم الإسلامي لكي يُفضي بها وبنا الحال إلى التصارع فالتقاتل فالإنحلال .

ليس أدل على ذلك من قول الشيخ محسن حرفوش قاضي المذهب العلوي في بلدة (جبلة) أثناء الإنتداب الفرنسي لأحد ضباط المخابرات الفرنسية الذي أراد منعه من أداء صلاة الجمعة في جامع أهل السنة ، ومحاولة إقناعه بأنه لا يُعتبر في نظرهم من المسلمين ، بجوابه الرصين الحكيم لذلك الضابط :
(إنّ إلهنا واحد ونبينا واحد وكتابنا القرآن ونحن مسلمون أرادت السياسة أو لم ترد وإنّ ربنا ينادينا بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وليس هناك من يستطيع أن يحول بيني وبين السعي إلى ذكر الله) .

يُضاف إلى هذا الموقف النبيل لذلك القاضي العلوي الجليل من ذلك الضابط المغرض موقف آخر له دلالته ومغزاه وقفة المجاهد العربي الكبير الشيخ صالح العلي ، وفي أيام الإنتداب الفرنسي أيضاً - حين سأله ضابط فرنسي آخر عن تاريخ العلويين وديانتهم فتناول الشيخ بيده القرآن الكريم وأجاب سائله قائلاً : (إذا أردت تاريخ العلويين فهذا تاريخهم وإذا شئت دينهم فهذا دينهم).

كما وأنّ العلويين لو كانوا – حسبما افترى عليهم المُفترون وتعمّد الإساءة إليهم المُؤرخون المُغرضون - لا ينتمون إلى الشيعة الإمامية الأثنى عشرية لما كان يسوغ للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان أن يسند منصب الإفتاء الجعفري في طرابلس لشيخ علوي .

وما دام العلويون يفتون ويتعبدون ويتقاضون في أحوالهم الشخصية وفقاً للأحكام الواردة في المذهب الجعفري وذلك في سوريا وفي لبنان بل وفي كل مكان ، وإذا عرفنا من قبل أن مشيخة الأزهر الشريف أفتت بجواز التعبد على مذهب الإمام جعفر الصادق كالتعبد على مذاهب أهل السنة والجماعة ، وإذا عرفنا أيضاً أن بين فقهائنا من صرّح بأنه إذا قام تسعة وتسعون دليلاً على كفر إنسان وقام دليل واحد على إيمانه وجب حمل هذا الإنسان على الإيمان .
أقول : إذا عرفنا هذا كله ، لم يبق مجال للشك بأن العلويين مسلمون .

( تعقيب للمؤلف الشيخ حسين حيث يقول ) :
لقد صدق هذا الكاتب المُنصف والمُؤرخ الصَادق والنَزيه فيما كتب فقد حكّم ضميره ووجدانه ، وأعْرَض عن أقوال المُغرضين وجعل عِلمه وقلمه في خِدمة الإسلام والعُروبة فأكثر الله من أمثاله ولو أنّ كلّ من كتب تحرّى الحقيقة كما تحرّاها هذا الدكتور لما وقع بين المسلمين ما وقع ولانقطع الطريق على المُغرضين والمُرتزقين ولو نظرنا إلى قوله :
(وتوصل بعض العلماء و المؤرخين إلى تكفيرهم من أمثال الغزالي وابن تيمية والشهرستاني وابن الأثير وغيرهم ، علماً أن في اتهامهم هذه كثير من المبالغة ومجافاة الحقيقة)
لتبيّن لنا تكذيبه لهم وتفنيده لأقوالهم مما يتناسب مع أقوالنا في معرض ردودنا عليهم ولَتَبَيّنَ لنا أنّ العلماء المنصفين لا يعبؤون بأقوالهم الدالة على جهلهم وتعصبهم .