شهادة الدكتور منير الشريف

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

وقال الكاتب منير الشريف في كتابه (المسلمون العلويون من هم وأين هم ؟ ) :

لم تبلَ طائفة من الطوائف الإسلامية ، كما بُليت الطائفة العلوية (النصيرية) العربية الإسلامية ، حيث سلقتها الألسن الحداد ، وحامت حولها الظنون ، فمن الناس من أخرجها من قوميتها العربية ، وجعلها من أمم شتى ، جمعتها جامعة المحيط : من بقايا الرومانيين والحثيين واليونانيين والصليبيين و ....

ومنهم من أقصاها عن الدين الإسلامي ، وقال : إنّ إسم النصيرية ، قد أتى من اسم النصرانية ، أي أنّ العلويين ليسوا من الطائفة الإسلامية ، ومنهم من قال عنها ، إنها متوحشة ، أكّالة للحقوق ، فتاكة بالبشرية ، نهّابة سلابة ، لا تتورع عن أي عملٍ كان غير مُشرّف ، تعيش عيشة الهَمج الأوّلين ، ضمن أسوار الإنحطاط ، فلا يُمكن أن تنهض للعلم ، وليس في الإمكان اشتراكها مع العرب في النهضة الحديثة ، والجامعة القومية ، والإزدهار الإقتصادي ، ومن الصعب تعويدها على الطاعة والنظام ...

هذا بعض ما يتحدث به فريق من الناس في الشرق والغرب .

وحيث أنني عشت بين هذه الطائفة أعواماً كثيرة ، وتجولت في كل أطراف محافظة اللاذقية ، ودرست حالتها عن كثب ، وصادقت رجالها وخبرتهم ، فقد رأيت الواجب يدفعني إلى تأليف هذا الكتاب لأُبعد عن هذه الطائفة الشُبهات ، والتُرهات والظنون ، وتطلع الناس على الحقيقة :بأنها فئة عربية الدم ، واللسان ، والخصائل ، والتاريخ ، والغاية ، وإسلامية كبقية الطوائف الإسلامية ، غير السنية – رغم ظهور بعض الغلو المذهبي فيها - : ...
كتابها القرآن الكريم ، وإنها مع ما نزل بها من البلايا والرزايا من قبل الحكام الشعوبيين ، فإنها لا تزال مرتبطة بالعروبة والإسلام ، ورافعة الراية العربية على جبالها الشماء ، وعلى ساحل بحرها اللازوردي ، منذ رفعها العرب في كل مكان.
تحترم الحقوق ، وتحافظ على التربية العربية الطيبة ، وتسير بسرعة إلى الأمام ، لتتبوأ مقامها في دنيا العرب ، فليعلم العرب ذلك في كل أقطارهم ، وليكف الذين يدّعون بأنهم مؤرخون ، عن تخرصات وتُهَم يلصقونها بالمسلمين العلويين ، لأنها تضر بالوحدة القومية والحقائق. (الأستاذ منير شريف)

» ولا بد من الوقوف ولو قليلاً على قوله: (رغم ظهور بعض الغلو المذهبي فيها).
فنقول :
لم يُبيّن ما مراده بالغلو المذهبي ، فإن كان المُراد كما يقول البعض بأننا نغلو بعلي (ع) أو المعصومين فهذا لا أساس له من الصحة وننفيه بشدة لأنه يتعارض مع أصول عقيدتنا وقد نفاه عنا أيضاً غيرنا ممن عاشرنا كالدكتور مصطفى الرافعي بقوله :
(هذا ولا صحة لما رُميَت به الفرقة العلوية في أنهم يعتقدون بالثالوث المرتب من - الرب والحجاب والباب - وإنّ علياً هو الرب ومحمد هو الحجاب وسلمان الفارسي هو الباب لأنه لم يثبت بالدليل القطعي عنهم)

وكذلك العلامة الشيخ محمد جواد مغنية زار العلويين في بلادهم وعاشرهم وباحثهم والتقى بالعلماء منهم كالعلامة المرحوم إمام الشعب العلوي الشيخ عبد اللطيف ابراهيم والعالم الخطيب الشيخ عبد الكريم علي حسن وغيرهم وقد نفى عن العلويين هذا الإتهام بعدما تحرّى حقيقة معتقداتهم ، وقد أثبتنا فيما مضى الرسالة التي أرسلها إلى العلامة الشيخ عبد اللطيف ابراهيم وأثبتنا أيضا ما قاله في كتابه القيّم " الفقه على المذاهب الخمسة " فليراجع ، وغيره الكثير من العلماء قد نفى هذا الإتهام عن العلويين والذي بذره بعض المغرضين واستغله الإستعمار اللعين .

أما إذا كان المراد بالغلو المذهبي إيثار العلويين لأمير المؤمنين على بقية الصحابة فهذا مما لا شك فيه وقد دلّ عليه وأمر به الرسول الأعظم (ص) في عدّة مواضع لا تخفى على أحد أثبتها علماء الفريقين في كتبهم ومراجعهم الكبرى ونحن بغنى عن ذكرها فهي أوضح من الشمس في رابعة النهار.

* * *

وقال أيضاً : فالمسلم العلوي إذن :عربي بدمه، ولغته ، وتاريخه ، وعقليته ، وإسلاميته ، وعاداته ، ومبادئه.

وقال في الفصل الرابع :
المسلمون العلويون هم من صميم الأمة العربية ، التي نبتت في الجزيرة العربية ، وكان لها تاريخ عظيم ، ثم نهضت إلى المجد والسؤدد ، عندما جاء النبي (ص) وبث فيها روح السيادة ، والإستقلال ، والحرية ، والوحدة ، ورغّب إليها الفتح ، لتوحيد كل العرب ، وإهداء الناس إلى الرشد ، والمدنية العربية ، ولتملك عنان الثورة ، وتصبح في مأمن من شظف العيش والسنين المجدبة ، فسار العرب الذين اعتنقوا الدين الإسلامي ، إلى طرد البيزنطيين ، من سورية ومصر وطرد العجم من العراق ، وفتحوا العالم الآهل بالسكان ، فاكتسبوا الصيت الحسن ، ونالوا المجد التليد .
ولما انقسم العرب إلى قسمين ، وافترقوا إلى جبهتين ، جبهة تقول بحق علي بن أبي طالب (ع) في الخلافة ، وأخرى تريدها لمعاوية ، كان فريق كبير بجانب على (ع) فذادوا عن حقه لا رغبة في المال ، ولا في جاه ، إلا ابتغاء مرضاة الله ، وحباً بعلي (ع) ، لأنهم يجدون فيه العلم الجَم ، والشجاعة ، والتقوى ، والنزاهة ، التي ما بعدها نزاهة ، فكانت سيوف معاوية تعمل فيهم ، وهم يقضون نحبهم في سبيل المبدأ الذي دانوا به .

وقال تحت عنوان "المذهب العلوي" :
لقد ظهر بين رجال الشيعة ، رجل يُسمّى محمد بن نصير النميري وذلك في زمن الحسن العسكري (ع) الإمام الحادي عشر ، في القرن الثالث الهجري ، فأجرى تعديلاً في المذهب . فسُمِيَ الذين أيّدوه : نصيريون.
وبقيَ هذا الفريق هكذا إلى عام 1920 م حيث أبدل باسم علويين .
وقام بتأييد هذا الفريق (النصيري) بعد محمد بن نصير ، محمد بن جندب ثم الحسين بن حمدان الخصيبي ، وبعده بختيار بن معز الدولة البويهي الفارسي ، ثم انتشر هذا المذهب في عدّة أماكن من البلاد .(الأستاذ منير شريف)

» وهنا أقول :
أولاً: إنّ السيد أبي شعيب محمد بن نصير عاصر وشاهد ثلاثة من الأئمة وأخذ عنهم وكان موثوقاً عندهم ، ولم يُجرِ تعديلاً في المذهب كما قيل ، وأستغرب من أين أتى بهذا القول العجيب والذي يرفضه كل علوي.
وأما ابن جندب والخصيبي فقد رووا عنه علم موالينا أهل البيت (ع) وإنّ ما رواه عن المعصومين فهو عندنا موثوق بالإضافة إلى أن العلامة المجلسي صاحب البحار روى عنه ووثقه.
ولم يكن أبو شعيب صاحب مذهب مستقل اتبّعه العلويون عليه بل كان مذهبه ما جاء عن الأئمة المعصوميين ، والعلويون رووا عنه وقلدوه لوثاقته كما روت بقية الطوائف الإسلامية عن ثقاتها ، وإنّ العلويين يفتخرون بأن يأخذوا عنه ويتسمّوا باسمه حتى ولو أن البعض أطلق عليهم هذا اللقب على سبيل التحقير - على حسب زعمهم - مع أنّ إسم هذه الفرقة الحقيقي (العلويون) شاء المفترون أم أبوا .

وأما قوله : (وبقي اسم هذا الفريق هكذا إلى عام 1920 م حيث أبدل باسم علويين)
فهذا لا يعني أنّ هذا الإسم الحقيقي للعلويين ذهب عنهم كل تلك المدة وإنّما أصحاب الغايات لم تكن تُطلق علينا هذا الإسم تعصباً وحسداً كما هو معروف بل كانوا يُطلقون اسم (النصيريين) من جهة التحقير وإننا لا نرى في هذا الإسم إلا الشرف والوقار ، ولكن إصرار العلويين أعاد لهم إسمهم الأصيل الذي عُرفوا به من عصر صاحب الرسالة السمحاء (ص).

* * *

ثم تابع الكاتب منير الشريف ليقول :
إنّ هذا المذهب هو كباقي المذاهب الشيعية يفضل أصحابه علياً (ع) على غيره ، ولم يخرج عن النطاق الإسلامي ، إلا أنه تسرّب إليه بعض الغلو ، ولا شك ، علاوة على تفضيل علي على غيره ، شأن المذاهب التي تُحارب وتُضطهد ، لأن النصيرية أوذوا في ديارهم ، وصبّت الحكومات الإسلامية ، غير العربية ، نارها عليهم ، وفتكت بهم ، أنى ثقفتهم ، فلم يبق لهم ملجأ إلا رؤوس الجبال وسفوحها ، حيث يختبؤون هناك فيها ، فكان رجال مذهبهم هناك يفسرون لهم الدين الإسلامي كا يريدون ، خلافا لما تفسره بقية الفرق الإسلامية ، لأن النصيرية يقولون بتوسيع الإجتهاد في تفسير القرآن ، ليجعلوا من المذهب الديني جامعة تحفظ عليهم حياتهم ، ليس إلا ، ولكنهم ظلوا مسلمين ، كما جاء في فتوى مفتي الديار الفلسطينية الحاج أمين الحسيني بتاريخ 22 محرم سنة 1355 هـ .

» أعقب على أمرين :
أولاً : قوله (إلا أنه تسرب إليه بعض الغلو)
الغلو لا أساس لوجوده في المذهب العلوي وقد أكّدنا ذلك مراراً وأثبتناه تكراراً من أقوالنا وأقوال غيرنا وإنما هذا التسرب إن صح التعبير فهو ما ألصقه بنا أصحاب الغايات الخبيثة ورواه بعض الكُتّاب من دون فحصٍ وبحثٍ ، عن صدق ما رووه حتى أصبح عند البعض مع مرور الزمن وكأنّه حقيقة، وفي الحقيقة التي تؤكدها الوقائع والدلائل فإنه لا يوجد شيء من هذا القبيل .

ثانياً : قوله: (فكان رجال مذهبهم هناك يفسّرون لهم الدين الإسلامي كما يُريدون)
إنّ رجال مذهبنا الأطهار الأبرار لا يُفسّرون شيئاً من معالم الدين إلا ما رووه مُوَثقاً عن أئمتنا أهل العصمة عليهم السلام وهم مُتّبعون لا مُبتدعون وهذا القول فيه الكثير من التجني عليهم ويعلم ذلك الكثير من علماء الشيعة الذين تباحثوا مع علمائنا حينما كان يتم اللقاء بينهم ومن جملة هؤلاء العلماء السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي الذي كان له مراسلات مع العلامتين الشيخ سليمان الأحمد عضو المجمع العلمي في دمشق وصنوه الشيخ عبد اللطيف ابراهيم .
وكذلك العلامة السيد محمد جواد مغنية والذي كان له مراسلات مع العلامة الشيخ عبد اللطيف ابراهيم .
والعلامة السيد محسن الأمين العاملي وغيرهم الكثير وكانت تقوم بينهم بحوث علمية واسعة تعتمد على النص الوارد عن المعصومين (ع).

* * *

وبعد أن نقل الكاتب منير الشريف فتوى الديار الفلسطينية قال :
وفي عام 1930م سمعت من العالم الجليل الشيخ عبد اللطيف نشابة - والد القانوني الكبير الأستاذ عبد الوهاب نشابة - يقول : (إنّ العلويين مسلمون ، قد أقصاهم الحكام الشعوبيون عن الثقافة والعمران ).
وبما أني تجوّلت في قرى العلويين في محافظة اللاذقيه ، ولم أبقِ قرية هامة إلا وهبطتها ، ودرستُ أحوال هؤلاء الجماعة عن كثب ، في جبالهم ووهادهم وسهولهم ، درساً وافياً ، فإني أقول (الكلام للأستاذ منير) :
إنّ العلويين هم فرقة إسلامية ، لا تنفك تقرأ القرآن الكريم باحترام ، وتعلّمه للأحداث ، وإنّ فيهم اليوم الحفظة له وقد كنتُ أدخلُ على بعض بيوتهم في القرى النائية على حين غرّة، وبدون أن يعلموا عني شيئاً فكنتُ أجد الأولاد منهمكين في تعلّم القرآن الكريم ، وإنّ طقوسهم الدينية ، هي عين الطقوس الإسلامية ، رغم عدم وجود مساجد في قراهم الصغيرة ، ورغم الغلو الشديد عند بعض جهّالهم ، الذين تمادوا في أهوائهم ..

» ونقول هنا :
إنّ سبب قلة وجود المساجد حينذاك هو الفقر المُدقع الذي عانوه والعزلة التامة التي فُرضت عليهم ، وهذا مما لا يخفى على أحد وبالرغم من كل ذلك فقد بُنِيَت عدة مساجد أشادها بعض ذوي اليسر ، وما أن خرجوا من العُزلة إلى التواصل ومن الفقر إلى الكفاف حتى بدأ مشائخهم وأولي السِعَة منهم يتسابقون لبنائها وتوجد الآن بالعشرات في المدن والقرى .

أمّا من حيث الغلو الذي ذكره فلا وجود له مطلقاً لا عند الجهال ولا عند العلماء وما هو إلا من مُفتريات كُتاب الحُكَام وأعداء الإسلام ، الذين كتبوا بدافع التعصب المذهبي البغيض وإرضاء لسلطانهم الجائر وقد أكدنا ذلك أكثر من مرة وأكّده غيرنا من العلماء العلويين وبعض العلماء من سنة وشيعة ولا حاجة لنا بإعادة ما قالوه فمن أراد التأكد من ذلك فليراجع كتبهم وبياناتهم التي تؤكد ما أثبتناه والواقع العلوي القائم يوضح الحال ويُغني عن السؤال وكما قيل (لا أثر بعد عين ).